لم یترک المشککون کلمة فی کتاب الله إلا وانتقدوها بغیر حق، لم یترکوا حقیقة علمیة إلا وحاولوا تخطیأها، ولکن هیهات أن یستطیعوا ذلک، ومن الأشیاء التی خرجوا بها علینا أن القرآن قد أخطأ علمیاً فی استخدام کلمة (یجری) بالنسبة للشمس والقمر، والأدق علمیاً کما یقولون أن یستخدم کلمة (یدور) لأن القمر یدور حول الأرض والشمس تدور حول مرکز المجرة.
لنتأمل أولاً کیف عبر القرآن عن حرکة الشمس، یقول تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ)(1). والآن لنذهب إلى علماء الغرب أنفسهم والذین لم یؤمنوا بالقرآن، ماذا یقولون؟ إن ظاهرة حرکة الشمس لفتت انتباه أحد العلماء ففکر أن یدرس المسار الحقیقی للشمس فیما لو نظرنا إلیه من خارج المجرة، وبالطبع الشمس هی نجم فی مجرتنا التی تحوی أکثر من 100000000000 نجم
إن حرکة الشمس کانت لغزاً محیراً لآلاف السنین، فطالما نظر الناس إلى الأرض على أنها ثابتة وأن الشمس تدور حولها، ولکن تبین فیما بعد أن هذا الاعتقاد خاطئ، والسبب فی ذلک هو ببساطة أن کتلة الشمس أکبر من کتلة الأرض بأکثر من ملیون مرة، وبالتالی لا یمکن للأرض أن تجذب الشمس إلیها بل العکس هو الصحیح.
فالشمس وبسبب کتلتها الکبیرة تجذب جمیع الکواکب إلیها تماماً کما تجذب الأرض القمر الذی هو أصغر من الأرض بکثیر، ولذلک أیقن العلماء أن الشمس ثابتة والأرض تدور حولها، ولکن هل هذه هی الحقیقة کاملة؟
لقد اکتشفوا بعد ذلک أن هذه الشمس تنجذب باتجاه مرکز مجرتنا (درب التبانة)، بل وتدور حوله بشکل دقیق ومحسوب تتراوح سرعة الشمس فی دورانها حول مرکز المجرة 200-250 کیلو متر فی الثانیة. فقالوا إن الشمس تدور حول مرکز المجرة، وأخیراً وجدوا أن للشمس حرکة أخرى صعوداً وهبوطاً، لقد أصبح الأمر أکثر تعقیداً.
لقد قام العلماء بدراسة حرکة الشمس (المجموعة الشمسیة) لمعرفة المسار الدقیق الذی ترسمه الشمس أثناء دورانها حول مرکز المجرة. وقد وجدوا أن الشمس لا تدور دوراناً بل تجری جریاناً حقیقیاً، وأن جریانها یشبه جریان الخیل فی حلبة السباق!
هذه صورة للشمس بالأشعة السینیة، إنها تمتد لأکثر من ملیون کیلو متر وتظهر وکأنها فرن نووی ملتهب، إنها تزن أکثر من 99 % من وزن المجموعة الشمسیة، لذلک فهی تجذب الکواکب إلیها وتجعلها تدور حولها، وتتحرک الشمس وتسبح مع کواکبها ومنها الأرض والقمر. وتبلغ درجة الحرارة على سطحها 6000 درجة مئویة، وهی تبث من الطاقة فی ثانیة واحدة ما یکفی العالم بأکمله لمدة مئة ألف سنة. المصدر NASA .
لقد وجد العلماء أن للشمس حرکتین داخل المجرة: الأولى حرکة دورانیة حول مرکز المجرة، والثانیة حرکة اهتزازیة للأعلى وللأسفل، ولذلک فإن الشمس تبدو وکأنها تصعد وتنزل وتتقدم للأمام، وتتم الشمس دورة کاملة حول مرکز المجرة خلال 250 ملیون سنة، ویستغرق صعود الشمس وهبوطها بحدود 60 ملیون سنة، وهکذا تصعد وتهبط وتتقدم مثل إنسان یجری.
لقد وجد العلماء بعد دراسات معمقة أن الشمس تجری باتجاه محدد أسموه مستقر الشمس أو solar apex ویعرفه الفلکیون کما یلی:
A point toward which the solar system is moving; it is about 10° southwest of the star Vega.
أی هو النقطة التی تتحرک الشمس (مع کواکبها) باتجاهها أی بزاویة تمیل 10 درجات جنوب غرب نجم النسر بسرعة تقدر بحدود 19.4 کیلو متر فی الثانیة. المهم أن القرآن قد أشار إلى وجود مستقر ما للشمس فی قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ).
من عجائب المقالات التی کتبت مقالة بعنوان Star Streaming أی "جریان النجوم"، فقد وجد العلماء بعد دراسات طویلة أن النجوم بما فیها الشمس جمیعها تتدفق بما یشبه النهر أو الجدول، وکانوا یستخدمون کلمة (یجری) أو Stream للتعبیر عن حرکة الشمس والنجوم، وهی الکلمة القرآنیة ذاتها، و یستخدمون کلمة Rest أی المستقر وهی نفس الکلمة القرآنیة أیضاً،
ولذلک فإن علماء الغرب الیوم وفی أحدث الأبحاث العلمیة یشبهون حرکة المجرات أیضاً بحرکة الماء داخل مجرى النهر، بل إنهم عندما رسموا خریطة للکون وجدوا أن الکون عبارة عن "شبکة طرق" تتدفق خلالها المجرات بشکل بدیع یشهد على عظمة الخالق عز وجل، ویصف أحد علماء ألمانیا وهو الدکتور میلر حرکة المجرات بأنها أشبه بسائل یتدفق Flow ویجری ضمن قنوات محددة، ألیس القرآن یصف هذا المشهد بشکل أدق فی قوله تعالى: (لَا الشَّمْسُ یَنبَغِی لَهَا أَن تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّیْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَکُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ) (2).
یقول تعالى: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّى)(3). هذه الآیة تؤکد بأن القمر یجری أیضاً، ولو تأملنا حرکة القمر نلاحظ أنه یرسم مساراً متعرجاً یشبه مسار الشمس فی دورانها حول مرکز المجرة.
تتحرک الشمس مع الکواکب التابعة لها (مع الشمس والقمر) وتجری جمیعها جریاناً حقیقیاً حول مرکز المجرة، ولذلک فقد عبَّر القرآن عن هذه الحرکة بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهَارِ وَیُولِجُ النَّهَارَ فِی اللَّیْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ)(4).
لقد عبَّر القرآن عن حرکة الفُلک فی البحر بکلمة (تجری) وهی الکلمة ذاتها التی استعملها القرآن من أجل التعبیر عن حرکة الشمس، یقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَکُمُ الْأَنْهَارَ)(5). فهذه السفن والبواخر التی نراها فی البحر هی من نعمة الله تعالى، وهی مسخرة بأمره، سخر الریاح وسخر الماء وسخر وسائل صناعة هذه السفن للإنسان من أجل السفر والتنقل وحمل المتاع.
وهنا نلاحظ أیضاً وجهاً إعجازیاً یتجلى فی کلمة (لِتَجْرِیَ) فلو تأملنا حرکة السفن فی البحر نلاحظ أنها تأخذ شکل الأمواج صعوداً وهبوطاً، ولکن هذه الحرکة قد لا تظهر لنا مباشرة، إنما تظهر خلال المسافات الطویلة التی تقطعها السفینة فی البحر. وهنا نجد أن التعبیر القرآنی دقیق علمیاً.
ولذلک فلیس غریباً أن یعبر القرآن عن حرکة الشمس بکلمة (تجری) لأن الله تعالى یحدثنا عن الحقائق وهو یراها من أعلى، ولیس غریباً کذلک أن نجد بعض الملحدین یحاولون التشکیک فی صحة هذا القرآن، فهم یعلمون فی قرارة أنفسهم أنه الحق، وهذا ما صوَّره لنا القرآن عندما أنکر فرعون آیات الله ومعجزاته وهم یعلمون أنها الحق، فکیف کانت عاقبتهم؟ تأملوا معی قول الحق تبارک وتعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَیَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِینٌ / وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ)(6)
المصادر :
1- یس: 38
2- یس: 40
3- الرعد: 2
4- لقمان: 29
5- إبراهیم: 32
6- النمل: 13-14